- محاضرات خارجية / ٠01دروس صباحية - جامع التقوى
- /
- دروس صباحية جامع التقوى - الجزء أول
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
الولاء و البراء :
أيها الأخوة الأكارم ؛ موضوع هذا اللقاء الطيب الولاء والبراء ، وقد عدّ بعض العلماء الولاء والبراء الفريضة السادسة ، أي أن توالي المؤمنين ولو كانوا فقراء وضعفاء ، وأن تتبرأ من الكفار والمشركين ولو كانوا أقوياء وأغنياء , الولاء والبراء ، أنت مع من ؟ أنت كمؤمن مع المؤمنين، ضعاف ضعاف هذا قدرنا ، أما الكفار فأقوياء جداً الآن ، أقوياء ، وأغنياء ، وأذكياء ، ولا يمكن أن نقف في وجههم إلا بحدّ معقول من الذكاء والغنى والقوة ، فلذلك :
((المؤمن القويُّ خيْر وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف))
أي إذا كان طريق القوة سالكاً وفق منهج الله يجب أن تكون قوياً ، لأن خيارات القوي في العمل الصالح لا تعد ولا تحصى ، أما إذا كان طريق القوة على حساب مبادئك وقيمك فالضعف وسام شرف لك ، مرة ثانية :
((المؤمن القويُّ خيْر وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف))
لأن القوي بجرة قلم يحق حقاً ويبطل باطلاً ، ويدعم معروفاً ويزيل منكراً ، فإذا كان علة وجودك في الدنيا العمل الصالح ، فكلما كنت أقوى كانت خياراتك في العمل الصالح أكثر ، أي الغني ممكن أن يزوج شباباً ، يعمل جمعيات خيرية ، يرعى الأيتام ، أمامه مليون طريق إلى الله ، أما الضعيف والفقير فليس بيده شيء ، إذا كان طريق القوة سالكاً وفق منهج الله يجب أن تكون قوياً، الآية تتحدث عن موضوع الولاء والبراء ، أي ما لم يكن انتماؤك إلى مجموع المؤمنين فلست مؤمناً لقوله تعالى :
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾
مالم يكن انتماؤك إلى مجموع المؤمنين فلست مؤمناً ، لأن الولاء والبراء يعني أن توالي المؤمنين ولو كانوا ضعفاء وفقراء ، وأن تتبرأ من الكفار والمشركين ولو كانوا أقوياء وأغنياء .
لذلك كتطبيق ، من جلس إلى غني أو إلى قوي فتضعضع له ذهب ثلثا دينه ، العزة لله ولرسوله والمؤمنين .
الإسلام يضع كل إنسان بين حدّ أدنى و حدّ أعلى :
الآن صحابيان ألقى القبض عليهما مسيلمة الكذاب ، فقال لهما : أتشهدا أني رسول الله ؟ قال الأول : ما سمعت شيئاً ، فقطع رأسه ، وأما الثاني فقال : أشهد أنك رسول الله ، الشيء الرائع بالموضوع قول النبي بعد هذه الحادثة ، فقد علق النبي الكريم على هذه الحادثة فقال :
((أما الأول فقد أعز دين الله فأعزه الله ، وأما الثاني فقد قبل رخصة الله ))
الأول بطل ، والثاني مقبول ، ما كلف الله نفساً إلا وسعها .
فكأن الدين وضعك بين حّد أعلى ، وحدّ أدنى ، الأدنى مقبول .
عندنا في الجامعة في سوريا ينجح الإنسان بدرجة مقبول ، حصّل خمسين درجة ينجح بدرجة جيد ، حصّل سبعين ينجح بدرجة جيد جداً ، حصّل ثمانين ينجح بدرجة شرف , أما إن أخذ تسعاً و تسعين فـ :
((أما الأول فقد أعز دين الله فأعزه الله ، وأما الثاني فقد قبل رخصة الله ))
وضعك الإسلام بين حدّ أعلى وحدّ أدنى ، الأدنى مقبول وناجح ، الذي قال لمسيلمة الكذاب أشهد أنك رسول الله .
﴿ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾
وضعك ضمن استطاعتك ، ما عندك إمكان أن تضحي بحياتك ، الموضوع موضوع قتل ، لأن الأول قد قتل ، الثاني قال له : أشهد أنك رسول الله ، قال :
((أما الأول فقد أعز دين الله فأعزه الله))
الآية تقول :
﴿ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ﴾
من وليّ يتولى شؤونكم ، ولا نصير ينصركم على أعدائكم .
العنف لا يلد إلا العنف :
أذكر مرة أني قرأت بالسيرة أن أنصارياً دخل إلى بستانه رجل ، فأكل من دون إذنه ، فساقه إلى النبي عليه الصلاة والسلام على أنه سارق ، سمع النبي مقالة الانصاري ، فقال - دقق الآن - : هلا علمته إن كان جاهلاً ؟ وهلا أطعمته إن كان جائعاً ؟ هناك ملمح في هذا المشهد أن النبي الكريم عالج القضية من أسبابها ، لا من نتائجها ، يقول لك : إرهاب ، لماذا الإرهاب ؟ لأن الشعب تسحقه ، وتفقره ، وتذله ، وتأخذ ثرواته ، تريده ألا يتحرك ، ، دائماً لا يوجد عمل عنيف إلا ويسبقه عمل عنيف .
لي كتاب ألفته ، وكان كتاباً مقرراً في الشهادة الثانوية عندنا قبل الجامعة – كتاب توجيهي - بقي إحدى عشرة سنة ، ثم لسبب أو لآخر توقف تدريسه بعد أحد عشر عاماً ، واختير كتاب لإنسان فرنسي عنوانه : "معذبو الأرض " كتاب ضخم ، تقرأ الكتاب كله تستنبط أن العنف لا يلد إلا العنف تتخذ العنف طريقاً الطرف الآخر يكون معك عنيفاً أيضاً ، العنف لا يلد إلا العنف .
لذلك أصعب شيء أن الغرب يحاسب أهل المشرق على عنفهم ، وينسى ما فعله معهم ، أولاً : الغرب ماذا فعل ؟ نهب الثروات ، وساق لهم من يظلمهم بدعم منه ، ومباركة لهم ، فإذا وقف هؤلاء الناس موقفاً بطولياً أصبحوا إرهابيين ، أنت السبب ، لذلك :
﴿ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ﴾
أعمال الإنسان كلها من اختياره :
الآن :
﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾
بقي هو على من تعود ؟ هناك انسان يقول لك : على الله .
أي إذا كنت أنت وراء المقود ولك صديق يركب بالمقعد الخلفي ، قال لك : خد اليمين معنى هذا أن المقود بيدك ، إن قال هذا الصديق الراكب في المقعد الخلفي لمن يجلس إلى جواره : خذ اليمين ، ليس لهذا الكلام معنى ، خذ اليمين لمن يملك المقود . فالله عندما قال :
﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾
على من تعود هو إذاً ؟ مادام فاستبقوا الخيرات تعود على الإنسان ، الإنسان أعماله كلها من اختياره ، يجوز أن تكون القوة التي أمدّ بها كي يفعل بها هذا العمل من الله ، أما الاختيار فمنه ، في اللحظة التي تتوهم فيها أن الله سيرك في كل شيء مع اختيارك خرجت من الدين ، أي لا سمح الله ولا قدر خلق إنساناً كافراً وقدّر عليه الكفر بعد ذلك وضعه في جهنم هذه لا تكون صحيحة.
سيدنا عمر جيء له بشارب خمر فقال : أقيموا عليه الحد ، فقال : والله يا أمير المؤمنين إن الله قدر عليّ ذلك ، فقال : أقيموا عليه الحد مرتين ، مرة لأنه شرب الخمر ، ومرة لأنه أفترى على الله ، قال له : ويحك يا هذا ، إن قضاء الله لن يخرجك من الاختيار إلى الاضطرار .
في اللحظة التي تلغي اختيار الإنسان انتهى الدين ، انتهى الثواب ، انتهى العقاب ، انتهت الجنة ، انتهت النار ، انتهى كل شيء ، لو أن الله أجبر عباده على الطاعة لبطل الثواب ، لو أجبرهم على المعصية لبطل العقاب ، لو تركهم هملاً لكان عجز في القدرة ، إن الله أمر عباده تخييراً ، ونهاهم تحذيراً ، وكلف يسيراً ، ولم يكلف عسيراً ، وأعطى على القليل كثيراً ، ولم يعصَ مغلوباً ، ولم يطع مرغماً ، فلذلك :
﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ﴾
الإنسان موليها ، الدليل :
﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾
لو كان هو موليها الآية ليس لها معنى ، المقود بيدك ، جاءك توجيه من الله خذ اليمين لو كان المقود ليس بيدك لا يقل لك خذ باليمين .
الحق لا يتعدد والباطل لا ينتهي :
لذلك :
﴿ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا﴾
لكن بالمناسبة من الظلمات - جمع - إلى النور - مفرد - معنى ذلك أن الحق لا يتعدد والباطل لا ينتهي ، بين نقطتين لا يرسم إلا خط مستقيم واحد ، الثاني فوقه تماماً ، الثالث فوقه ، لو رسمت مليون خط فوقه خط واحد ، الحق لا يتعدد ، والباطل لا ينتهي تعدده .
﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً ﴾
مفرد .
﴿ صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ﴾
بين نقطتين يمر خط مستقيم واحد ، ويمر مليون خط منحن ومنكسر ، فالباطل يتعدد ، أو الباطل لا ينتهي .
الآن هناك ملاحظة دقيقة : عمر الانسان ستون أو سبعون عاماً ، معترك المنايا بين الستين والسبعين لا يتسع إلا لاستيعاب الحق ، لو قلت لك : أريد بحثاً طويلاً عن البوذية ، تحتاج إلى شهر لتقرأ حوالي مئة كتاب لتعرف ماهي البوذية ؟ ما أصلها ؟ ما هي منطلقاتها ؟ يا ترى هل هناك أنبياء سابقون ألهوا فيما بعد أم أن هذا اجتهاد أشخاص ؟ الباطل لا يستوعب ، البطولة أن تستوعب الحق ، وما سواه الباطل ، لذلك :
﴿ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ ﴾
جمع .
﴿ إِلَى النُّورِ ﴾
مفرد .
﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ ﴾
جمع.
﴿ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ﴾
والآية تقول :
﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾
لذلك من أرضى الناس بسخط الله سخط الله عليه ، وأسخط عليه الناس ، ومن أرضى الله بسخط الناس رضي الله عنه ، وأرضى عنه الناس ، فالبطولة أن ترضي الله عز وجل .
بطولة الإنسان أن يعرف الله في الوقت المناسب :
الآن :
﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا ﴾
مستحيل وألف ألف مستحيل أن يفعل الإنسان شيئاً ما أراده الله وما سمح به ، أو أن يتفلت من قبضة الله .
في الفيزياء مقاومة قوى الشد تسمى متانة ، ومقاومة قوى الضغط تسمى قساوة ، قال تعالى :
﴿ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ﴾
الآن المصاعد الكهربائية تتحرك بحبال فولاذية ، الفولاذ المضفور أمتن شيء بالأرض ، لذلك لو سحب الفولاذ الميليمتر الواحد منه يحمل مئتي كيلو متر ، أمتن شيء بالأرض الفولاذ المضفور ، فالتلفريك فولاذ مضفور ، المصاعد فولاذ مضفور ، مقاومة قوى الشد اسمها متانة ، ومقاومة قوى الضغط اسمها قساوة ، فالألماس أقسى عنصر في الأرض ، يأتي بعده ميناء الأسنان، الإنسان خلق من ماء مهين ، من ماء مهين و صار ميناء الأسنان ثاني أقسى عنصر في الأرض ، الألماس أولاً ، وميناء الأسنان ثانياً ، بالمتانة الفولاذ المضفور ، قال الله تعالى :
﴿ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ﴾
أي أنت مربوط بحبل لا يمكن أن ينقطع ، أنت في قبضة الله ، بلحظة يكون إنساناً له مكانة كبيرة ، نقطة دم لا ترى بالعين تتجمد في بعض أوعيته الدماغية فيصاب بالشلل ، ملك عشر سنوات على الكرسي في المملكة العربية السعودية ، نقطة دم بأي وعاء دموي في الدماغ بمكان ما تسبب شللاً ، بمكان فقد ذاكرة ، بمكان فقد توازن ، فأنت في قبضة الله .
﴿ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ﴾
فأنا أقول دائماً : البطولة أن تعرف الله في الوقت المناسب ، أما بالوقت الغير مناسب فرعون عرف الله ، فقال وهو يغرق :
﴿ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ * آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ ﴾
﴿ لَا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً ﴾